في سن الطفولة تكون لدينا قائمة طويلة من الأشياء التي تصيبنا بالسعادة والفرح والضحكات البريئة.. فقدوم العيد، وزيارة الأقارب، ومشاهدة توم وجيري، وأي لعبة خشبية تافهة تدخل الى قلوبنا قدرا عظيما من السعادة والفرح والحبور.
ولكن؛ كلما تقدمنا في السن كلما قصرت لدينا قائمة العناصر القادرة على إسعادنا (وتطول بالمقابل قائمة الأشياء التي تصيبنا بالملل) حتى تنحصر في عنصرين أو ثلاثة قبل أن تنتهي حياتنا وقد مللنا من كافة الأشياء فعلا!
ورغم استحالة وضع "قائمة" ترضي كافة البشر؛ ظهرت دراسات ومحاولات جادة لاستنتاج أسباب السعادة والتعاسة لدى معظم الناس (ولو بشكل عام ومتوسط).
فهناك مثلا عالم بريطاني من جامعة كارديف يدعى كليف أرنولد حاول وضع معادلة لقياس متوسط السعادة لدى كافة البشر.. وهذه المعادلة تتضمن مجموعة من الدوافع السعيدة والمشتركة بين عامة الناس تكتب على النحو التالي: O+(NxS)+Cpm/T+He
وحرف ال (O) هنا يرمز (للإجازة) التي يضاف إليها الطبيعة الجميلة (N) مضروبة في التواصل الاجتماعي (S) يضاف إليها ذكريات الطفولة (CPM) التي تقسم على درجة الحرارة (T) ثم يضاف إليها درجة الحماس للاجازة نفسها (HE).
وبكلام أكثر بساطة: حين تأخذ إجازة، للذهاب لموقع جميل، سبق أن زرته في سنوات الطفولة، وبرفقه أشخاص تحبهم، وفي جو معتدل، ويملؤك الحماس لفعل ذلك؛ ستكون في قمة سعادتك المفترضة!
وما لفت انتباهي هو عدم دخول المال ضمن معادلة الدكتور كليف، وعدم اهتمامها بالإجابة على السؤال الكلاسيكي القديم: هل يشتري المال السعادة فعلا!؟
فبالنسبة لي، من المؤكد أنك في حال فزت بمليون ريال ستنسى همومك وتتلاشى أحزانك وتختفي مشاكلك وتبقى من شدة الفرح بلا نوم لعدة أيام (وحينها لن يقنعك أي فيلسوف بأن المال لا يشتري السعادة)!
ولكن في حال قفزنا الى الأمام سنة أو سنتين ستكتشف أنك مللت من وضعك الجديد وأن "المرسيدس" و"الفيلا" و"السفر" لم تعد تعني لك شيئا (وحينها فقط قد تستمع لفيلسوف يدعي أن المال لا يشتري السعادة)!
والفرق بين الحالين يثبت أن المال قد يشتري السعادة فعلا ولكنه مثل أي عامل خارجي يعمل لفترة مؤقتة كونه لا ينبع من شعورك الداخلي وتوازنك النفسي وانجازك الذاتي.. والدليل على هذا أن باحثا من جامعة برينستون (يدعى دانييل كانيمان) حاول قياس مدى شعور الناس بالسعادة وعلاقة ذلك بعوامل حياتية مهمة (كالصحة والعائلة ومستوى الدخل وطبيعة العمل) فاكتشف أن العلاقة بين المال والسعادة كانت الأقل تأثيرا والأسرع ذهابا مقارنة ببقية العوامل!!
على أية حال؛ لأن الأشياء لا تعرف إلا بأضدادها حاولت باحثة فرنسية - لا أذكر اسمها في الحقيقة - سؤال عدد كبير من الناس عن أعظم عناصر التعاسة في حياتهم الخاصة.. وبعد حصر النتائج اتضح أن البطالة وفقدان الوظيفة أتت في المرتبة الأولى متقدمة على الطلاق، وموت شخص قريب، والعلم بقرب المنية.. (حسب المعايير الفرنسية)!!
وقبل عشر سنوات من هذه الدراسة حاول الدكتور ريتشارد وتوماس هولمس من جامعة واشنطن وضع ترتيب لأشد الظروف إثارة للقلق والتعاسة لدى الناس.. وفي النهاية أتى موت رفيق العمر في المركز الأول، ثم الطلاق، ثم هجرة أحد الزوجين، ثم دخول السجن، ثم موت أحد أعضاء العائلة، ثم الإصابة بعاهة صحية.. (حسب المعايير الأمريكية)!!
وفي النهاية أيها السادة؛ تبقى لدي معادلة خاصة (احتفظت بها لآخر المقال) جمعت بين عناصر السعادة والتعاسة وفي الوقت نفسه ابتعدت عن المثاليات وتسفيه الماديات: قال صلى الله عليه وسلم "سعادة ابن آدم ثلاث، وشقاوة ابن آدم ثلاث.. فمن سعادة ابن آدم: الزوجة الصالحة، والمركب الصالح، والمسكن الواسع.. ومن شقاوة ابن آدم ثلاث: المسكن السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء".
الكاتب: أ. فهد عامر الأحمدي
المصدر: صحيفة الرياض،العدد 15795